يميل الجميع إلى حياةٍ زوجيةٍ هادئةٍ هانئةٍ، تملؤها السكينة والمودة التي أمرنا الله بها، والتي تعتبر أساس الرحمة في قلوبنا لأزواجنا.. ولكن في كثير من الأحيان يتفاجأ البعض أن الطرف الآخر لديه بعض المشكلات النفسية، سواء كانت في عدم الثقة بالنفس، أو سوء الظن الدائم، أو ما يشبه ذلك.
فمثلًا يتفاجأ الزوج بتخيلات قصصٍ غريبةٍ، تتوقعها زوجته، وتثير شكوكها، وتتفاجأ زوجةٌ أخرى بتوهم شريكها أغرب القصص عن انجذابها لأشخاصٍ مختلفةٍ، بينهم السائق والعامل وهكذا، وقد تكمن المشكلة الأكبر في أنَّ هذا الشك، أو سوء الظن، يتمثل في درجاتٍ متفاوتةٍ، وكلما ارتفعت الدرجة، كلما كانت حياتهما أقرب إلى الجحيم.
المحتويات
سليم القلب .. حسن الظن وسليم النية
قال ابن القيم: ” هو السليمُ من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشبهة التي توجب اتباع الظن، ومرضِ الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى الأنفس، فالقلبُ السليمُ الذي سَلِمَ من هذا وهذا “. ( كتاب الروح ص 544 )
لن تجد أجمل من حياةٍ ملأت الرحمة جميع أطرافها، فوصلت إلى قلوب المتحابين، فتملأ السعادة حياة أصفياء النوايا، ممن يحسنون الظن، فلن تَنْهَدَّ الحياة إذا تأخر زوجك بعد العمل، أو أخذ قسطًا من الترفيه بين أصدقائه، ولن تخرب الحياة إذا أعطيتَ زوجتك مساحةً من الثقة، التي تجعلها تتعامل باطمئنانٍ مع الجميع، ومن ثمَّ تسرد لك الأحداث التي جرت في عدم وجودك.
فسلامة النية والمقصد تجعلكما تصلان معًا إلى أبواب السعادة..
نهي الإسلام عن سوء الظن
لم تكن مجرد نصائح عابرةٍ، أو حتى اجتهاداتٍ شخصيةٍ، بل كانت أمورٌ إلهيةٌ ترشدنا إلى حياةٍ هانئةٍ.
لقد نهانا إسلامنا الكريم عن سوء الظن، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } (سورة الحجرات: 12).
حتى لا يعكر سوء الظن صفو قلبك النقي، ويسحب من جمال النفس.. وكذلك نهانا النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقال: ” إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث “.
متفق عليه، رواه البخاري ( 5143 ) ومسلم ( 2563 ).
تدمير الحياة الزوجية .. بأيادي الشك
الشك وسوء الظن في الزوج يؤثر أسوأ تأثيرٍ ممكنٍ على حياة المتزوجين، فمن يقبل الحياة مع شخص لا يثق فيه؟! بل لا يثق في نفسه من البداية؟ لذلك قد تنتهي الحياة بعد تحولها إلى جحيم، قد يحرق كل الأطراف.
وكما حدثنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ” تُفْتَحُ أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فَيُغْفَرُ لكل عبدٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء “رواه مسلم(2565 )، تخيل هذا فيما يخص الرجل وأخيه، الذين يرون بعضهما ساعة أو أقل، فما لك بالزوجة التي يشاركها كل تفاصيل الحياة، وحياتهما التي لن تهدأ من التشاحن دقيقة واحدة.
سوء الظن يأخذك للتجسس ومنهما إلى الجحيم
السنة النبوية تنهيك عن التجسس وسوء الظن .. فهل تمانع؟ من الطبيعي أن الشخص حين يظن سوءًا، أن يبحث عن دلائل تثبت له شكه، ومنها يذهب للتجسس الذي نهانا عنه الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحديثِ، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تَناجَشوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عِبادَ اللَّهِ إخوانًا ” متفقٌ عليه، رواه البخاري ( 6066 ) ومسلم ( 2563 ).
وأما عن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال – صلى الله عليه وسلم -: ” يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه، ولو في جوف رحله ” رواه الترمذي، وصححه الألباني، راجع صحيح الترمذي ( 2032 ).
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } ( 5 ).
فتخيل مدى السوء الذي تجني به على نفسك لمجرد سوء الظن.
الأطفال هم من يدفعون ثمن الشك والتجسس
من المفترض أن أخبرك، بأن هذا الشك والتجسس، قد يتسرب لأطفالك، إذا كنت لا تعلم مدى خطورته الصحية والنفسية على حياتهما، ومنها يخرجون نشئًا غير سوي نفسيًا، من كم المشاحنات التي ملأت أطراف يومهم، وتكررت بلا مراعاة لتربيتهم الصحيحة.
ولكن ماذا لو وصل الأمر للانفصال؟ فأين يصل بهما الحال؟ بسبب تخيل القصص الغربية، فيعتبر الشك والتجسس نار، تشتعل في الحياة، وأول من يصابون هم الأطفال.
مجاهدة سوء الظن
اعرف جيدًا أن الأمر في أوقاتٍ كثيرةٍ يخرج عن السيطرة ، أو عن تحكمك بالأمور، ولكن مجرد مجاهدة سوء الظن ورفضها تؤجر عليها، ودائمًا تأكد أنها فعلٌ من الشيطان، فلا تنساق خلفه، وتفعل ما يريده .. فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يهدأ إلا حينما تخرب حياتك بيدك.
و قال – صلى الله عليه وسلم -: ” إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت قال: فيلتزمه ” رواه مسلم (2813).
قصص أسر حولها الوهم إلى جحيم
« منى. ن ـ موظفة »، تقول: ” تزوجت منذ فترةٍ قصيرةٍ، وأتذكر في بداياتها أن زوجي كان يراقبني في كل تصرف أقوم به، ويحاول إبعادي بكل الطرق عن الآخرين، فتوقعت أنه حبٌّ زائدٌ، لكن بمجرد أن أثنى زميلي في الشركة التي نعمل بها أنا وزوجي، على أخلاقي، وتصرفاتي، انقلبت الغيرة إلى شكٍّ لا يُحتمل، فبدأ يراقبني في كل تصرفاتي، يعبث في محتويات حقيبتي، ويفتش في المكالمات الصادرة والواردة، والرسائل الموجودة على الجوال، وتطور الأمر لمشادات كلامية، اتهمني فيها بالخيانة بعد سلسلة من الشتائم والضرب المبرح، حتى أصبحت الحياة معه لا تطاق، وإلى الآن لا يستطيع التنازل عن الاستجوابات اليومية، بعد أن تركتُ العمل؛ لتهدأ الأمور بيننا! حتى إنني أفكر في طلب الطلاق.
بينما يشعر رجل الأعمال ( فتحي. غ ) أنه يحترق بنار الشك، وقد حاول العلاج من هذا المرض اللعين عند بعض الأطباء النفسيين، لكن دون جدوى، يقول بالرغم من أنني أثق في زوجتي ثقة عمياء، وأمنحها الحرية الكاملة للتعبير عن وجهة نظرها بشدة، فإنني أعتقد في بعض الأوقات أنها تسعى للارتباط بغيري؛ لذلك أحاول أن أحافظ عليها بشتى الطرق، حتى أوشكت حياتنا على الانهيار، ولا أنكر أنها تتحمل تصرفاتي منذ 10 سنوات، حتى فاض بها الكيل وطلبت الطلاق.
ولن نبالغ أبدًا عندما نشبِّه الحياة الأسرية التي ملأها الشك بالجحيم، وتذكر معي عندما حدث معك أن النار تصيب الأطفال، كأول ضحية، وتلك القصة يرويها الأبناء الذين ظلوا يعانون حتى كبروا.
فيسأل شاب عن كيفية التعامل مع أم مصابة بنوبات الشك، ولم تهدأ حتى وصل عمرها إلى الخمسين عامًا، ولن يشغلها عُمر، بل كل ما يشغلها هو أن زوجها خائنٌ.
فيقول:
والدتي تعاني من نوبات الشك، وترى أن والدي خائنٌ، ومتزوجٌ عليها، مع أنه قد يكون نائمًا، أو في العمل، وهو رجلٌ كبيرٌ في العمر، وأمي في الخمسين من عمرها.
وتصل صور الشك في الزواج، والقصص الغربية في خيالها، إلى التفتيش في الملابس للزوج والأولاد، وتتهمه بعد تحمل المسؤلية ” تقوم فتُفتِّش ملابس والدي وإخوتي، خاصةً أختي الكبرى؛ لأنها تظن أنَّها تريد أن تُزَوِّجَ أبي.
أسباب الشك
تتحدث د. إقبال السمالوطي، أستاذة علم الاجتماع: ” إن تصرفات المرأة، وسلوكياتها، هي التي تدفع الزوج إلى الشك، بالرغم من الفرق الكبير بين الشك والغيرة، لكن البعض يتفهم خطأً أن الشك والغيرة وجهان لعملةٍ واحدةٍ، إلا أن الغيرة وجه من وجوه الحب، تضفي على الحياة الزوجية طابعًا محببًا، وتشعر المرأة بأن زوجها يعشقها، ولا يستطيع أن يقاسمه فيها أحد، حتى لو كان من خلال اختلاس نظرة، لكن عندما تتجاوز الغيرة حدودها تتحول إلى شك، يؤدي إلى الفرقة بين الطرفين، ويعصف بحياتهما الزوجية للأبد، مما يجعل الطلاق أبرز الحلول التي تتبادر إلى الذهن، للتخلص من الشك المفرط، الذي يحاصر حياة الزوجين “.
وأضافت أنَّ : ” الشك تختلف درجته من شخص إلى آخر، حسب التركيبة النفسية والاجتماعية، تتسبب فيه شخصية المرأة، وتصرفاتها، كالخروج من البيت في غير مواعيد العمل المعروفة لزوجها، وتحدثها في التليفون بصوت خافت، ولبس ملابس غير مناسبة، والاهتمام بأحد الأشخاص اهتمامًا زائدًا عن الحد، كل تلك العوامل توفر بيئةً خصبةً للشك.
علاج الشك وكيفية التعامل مع الشخص الشكَّاك
- من الأفضل إذا كانت الحالة على درجةٍ عاليةٍ من الشك، الذهاب للطبيب النفسي؛ حيث يجعل الأمور تسير بشكل طبيعي صحي.
- وفي حالة كانت أحداثٌ مستجدةٌ، أو طارئةٌ، فهنا يمكن التصرف بعدة أشكال:
- أولًا محاولة إعطاء الثقة بالنفس للشخص سيئ الظن.
- محاولة التقليل من التوتر الأسري.
- تفريغ مساحة ووقت للمناقشة الدائمة بشكل هادئ.
- السماع للشكوك بهدوء، ورد فعل، غير مبالي بما يقال، ومن ثمَّ البدء في توضيح الأمور بشكلٍ أكثر سلاسة.
- اعرف ما يُفقد الشريك ثقته بذاته، أو ما يثير شكوكه، والمحاولة الجادة في تجنبه بقدر الإمكان.
- أن تتحدث لشريكك سيئ الظن بإبراز مفاتنه، وشرح مقدار تفضيلك إليه عن العالم، وأنه الأهم من بينهم، والوقت الأفضل ما تقضيه بجانبه.
- زيادة أوقات الترفيه العائلية.
المصادر
الألوكة .. شك الزوجة في زوجها.
الكاتب:
رنا شوقي
إترك تعليق