1 – فوائد تربوية لمائدة طعام الأسرة

لم تقتصر مائدة طعام الأسرة على مفهوم تناول الطعام، وفكرة إشباع المعدة فقط، وإنما كانت الفكرة الأقوى هي إجتماع أفراد الأسرة حول المائدة في تلك الفترة، وارتباط الأسرة معاً، والجدير بالذكر أنه قد تغير المنظوم الأساسي للأسرة في العصور الحديثة عن ما عرفناه سابقاً، فيتضح أن المفهوم الصحيح هو الاجتماع في جو عائلي مليء بالحب والترابط بين جميع أفراد الأسرة، باختلاف أعمارهم المتفاوتة؛ فالكبير يُدير أمور الصغير، والصغير عليه أن يحترم الكبير، وقد ظهر هذا المفهوم دائماً على مائدة الطعام، حيث لا يجلس الأطفال الصغار قبل جلوس والدهم أو والدتهم، ولا يمكن لأي من أفراد الأسرة أن يبدأ بتناول الطعام قبل رب الأسرة احتراماً وتقديراً له، نرصد في السياق التالي فوائد تربوية لمائدة طعام الأسرة، وأهمية اجتماع أفراد الأسرة على الطعام وخاصةً في تلك الظروف الراهنة، مع أزمة كورونا وتفشي الفيروس في كل أنحاء العالم، واضطرار الجميع إلى الجلوس بالمنزل، وعدم الخروج.

ومن هنا يأتي الحديث عن مائدة الطعام التي تُشكل جانب رئيسي في حياة كل أسرة؛ لأنها تعتبر خير مثال على ترابط أي أسرة، فنجد أن الأسرة السوية هي تلك التي تحرص دوماً على تحديد مواعيد ثابتة لتناول الوجبات الثلاثة، وخاصةً وجبة الغذاء الرئيسية في منتصف اليوم، لتناسُب مواعيد جميع أفراد الأسرة؛ سواء الأب أو الأم، وبالطبع الأبناء، ومن هنا يجب على كل أسرة أن تهتم بهذا الأمر بل وتجعل من مواعيد تناول الطعام وضرورة التفاف جميع أفراد الأسرة حول مائدة طعام واحدة أمر أساسى بل ومقدس.

2 – فوائد الاجتماع على مائدة طعام الأسرة

أثبتت الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة أن تجمع أفراد العائلة على مائدة الطعام يؤثر على صحتهم ايجابياً على مدار السنوات القادمة، سواء كانت الصحة البدنية أو الصحة النفسية، لأن ذلك يشعر جميع الأفراد بالأمان والاطمئنان بسبب وجود أفراد أسرة متحابين مترابطين حول هدف واحد وهو مصلحة الجميع، ويأتي دائماً بعد تناول الطعام الجلوس والتحدث معاً في مشاكل كل فرد ومحاولة الحصول على حلول مفيدة، ولا يقتصر الحديث عن المشاكل والصعوبات فقط، بل يتطرق إلى سرد بعض المواقف الطريفة والمضحكة لشخص ما في الأسرة، وأحياناً تكون مواقف محرجة؛ ومن هنا يأتي دور كبار الأسرة في نقل خبراتهم للصغار ليستفيدوا منها على قدر المستطاع.

وقد حثنا الدين الإسلامي على ذلك الأمر جيداً من خلال عدد من الأحاديث النبوية الشريفة ليعلم المسلمين ضرورة اجتماع الأسرة في الطعام ليحصلوا على البركة.

أنَّ أصحابَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالوا يا رسولَ اللَّهِ إنَّا نأكلُ ولا نشبَعُ قالَ فلعلَّكم تفترِقونَ قالوا نعم قالَ فاجتمِعوا على طعامِكم واذكروا اسمَ اللَّهِ عليه يبارِكْ لكم فيه

الراوي:وحشي بن حرب المحدث:ابن حجر العسقلاني المصدر:تخريج مشكاة المصابيح الجزء أو الصفحة:4/172

إنَّ طعامَ الواحدِ، يَكْفي الاثنينِ، وإنَّ طعامَ الاثنينِ، يَكْفي الثَّلاثةَ والأربعةَ، وإنَّ طعامَ الأربعةِ، يَكْفي الخمسةَ والسِّتَّةَ

الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:البوصيري المصدر:مصباح الزجاجة الجزء أو الصفحة:4/6

عن عليٍّ رضِي اللهُ عنه قال لأن أجمعَ نفرًا من إخواني على صاعٍ أو صاعَيْن من طعامٍ أحبُّ إليَّ من أن أدخُلَ سوقَكم فأشتريَ رقبةً فأعتِقَها

الراوي:[محمد بن علي ابن الحنفية] المحدث:المنذري المصدر:الترغيب والترهيب الجزء أو الصفحة:2/94

3 – الاجتماع على مائدة الأسرة في ظل أزمة كورونا

عندما نتحدث عن الجانب الآخر للموضوع؛ أي ما يحدث في وقتنا هذا فنجد أن الأسرة يندر تجمعها بأي شكل ما، ويرجع هذا إلى إنشغال الأب بالعمل في فترات المساء المتأخر بعد العمل الصباحي، للحصول على ما يلزم الأسرة من أموال لتغطية جميع احتياجاتهم.

والأطفال منهمكين في مراحلهم التعليمية والانتهاء من الواجبات المنزلية أو الجلوس على أجهزة التاب والحاسب الآلي للألعاب الإلكترونية، والأم منشغلة بعملها أو واجباتها المنزلية من تحضير طعام أو تنظيف وترتيب المنزل، وهذا كان له أثر سلبي كبير جداً على ترابط الأسرة، حيث يعيش كل فرد في عالم منفرد خاص به منعزل عن عائلته، ويقتصر الالتقاء فقط على المطالب المادية من الأب أو الأم.

وفي النهاية يلتفت الجميع لحقيقة الأمر بعد فوات الأوان وحدوث مشاكل لا تُحمد عُقباها، وإذا نظرنا إلى أزمة كورونا، فيمكننا أن ننظر لنصف الكوب الممتلئ، حيث أن تفشي فيروس كورونا وفي ظل مخاوف الجميع من الإصابة والعدوى، والجلوس بالمنازل دون الخروج للعمل أو للدراسة، فيمكن لرب الأسرة سواء الأم أو الأب استغلال تلك النقطة، والتقرب من باقي أفراد الأسرة، بالتجمع يومياً على المائدة عند الطعام، وهذا في حد ذاته يجعل الأبناء يترابطون معاً ومع الأب والأم، ويمكن أن يتناقشوا في الأمور التي تشغل بال كل فرد بالأسرة.

4 – الترابط الأسري على مائدة الطعام

نجد أن الدور الفعال الذي تلعبه مائدة الطعام أنها تجمع شمل جميع أفراد الأسرة، فيقترب الأب من أبنائه وزوجته ويستمتع الأبناء بالجو الأسري الدافئ الذي من شأنه أن يساعدهم على النمو بشكل سليم، ويغرس بهم القيم الدينية التي حثنا عليها ديننا الإسلامى ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

كما أنه من أهم الفوائد التربوية لمائدة طعام الأسرة والتجمع حولها وخاصةً مع وجود فيروس كورونا الذي أجبر الجميع على عدم الخروج من المنازل؛ هو تحقيق الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة وتبادل الحوار بينهم، مما يقوي العلاقات الأسرية بين الأب وأبنائه وبين الأبناء بعضهم البعض، وكذلك معرفة رغبات الأبناء ومتطلباتهم، بالإضافة الى تعرف الآباء على المشاكل التى قد تواجه أبنائهم وخاصةً وهم في سن المراهقة.

كما تساعد مائدة الطعام التي يلتف حولها الكبار والصغار على غرس القيم في نفوس الأطفال، وعلى رأسها تحقيق لهم الشعور بالأمان والحب تجاه أسرهم، كما يكون هذا الوقت فرصة ليتقرب فيها الأطفال من آبائهم، ويتعلموا منهم الكثير خاصةً آداب الطعام التى حثنا عليها ديننا الإسلامى.

كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.

الراوي:عمر بن أبي سلمة المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:5376

فكيف يتعلم الأطفال هذه التعاليم الدينية السليمة إذا لم يتواجدون مع أبائهم على مائدة واحدة لتناول الطعام ؟! كما أن من فوائد مائدة الطعام  تحقيق التعارف الأسري بمعناه الحقيقي، فمن خلال الوقت الذي يقضيه الآباء والأبناء سوياً أثناء تناول الطعام يتعرف الأب والأم على آراء وأفكار الأبناء، وما يحبون وما يكرهون، وكذلك النقاش فى كافة الأمور التى تهم أبنائهم.

لذلك لابد أن يحرص كل من الأب والأم على ترك أى خلاف جانباً أثناء تناول الطعام حتى يزرعوا في نفوس أبنائهم مدى أهمية هذا الوقت، كما يعلّمونهم إحترام مائدة الطعام، فلا يجوز المشاجرة أثناء الطعام أو حتى التحدث بصوت مرتفع، ولابد أن يكون وقت الطعام وقتًا سعيدًا مبهجاً، وفرصة لاجتماع أفراد الأسرة وقضاء وقت لطيف مليئاً بالضحك والابتسامات، وبعيداً عن العتاب والكلام الجارح حتى يحبه الجميع ويشتاقون إليه.

وتقع المسئولية فى هذه الجزئية على عاتق الوالدين، فيجب عليهم القيام ببعض الأمور من أجل تحقيق هذا الغرض، مثل مدح أبنائهم على مائدة الطعام  ليعطوهم ثقة بأنفسهم ويجعلونهم يحبون تناول الطعام مع أسرهم، كما يجب عليهم عدم توبيخ الأبناء أو تعمد  إهانتهم على الطعام أمام الآخرين، فهذا الأمر مؤلم كثيراً، ويسبب للأبناء جرحاً كبيراً، ويجعلهم يكرهون الجلوس على مائدة الطعام مع أسرتهم، ويفضلون تناول الطعام بمفردهم.

5 – المصادر

بقلم / مي صالح