جرت العادة أن يجمع بين الرجل والمرأة ميثاق، وأن يلتزم كل منهما بأشياء للحفاظ على هذا الميثاق، ولتنشئة الأولاد وتربيتهم وحمايتهم من الشرور، ولتقريبهم من ما ينفعهم، وجاء الإسلام فوضع شروطا لهذا الميثاق، ونظم الحياة بين الرجل والمرأة، وجعل فيهما عاملان أساسيان بدونهما يفسد هذا الميثاق: المودة والرحمة، فقد قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
مفهوم الزواج في الإسلام – سورة الروم –
المحتويات
1- كيف وضع الإسلام تشريعات الزواج؟
وضع الإسلام تشريعاته جمعاء بحكمة، وحكمته تتمثل في مراعاة أحوال الناس، وسد احتياجاتهم بطريقة لا توقعهم بشر هوى النفس، وتزرع بنفوسهم الزهد المحمود في الدنيا، فتهذب الخُلق، وتعطي الإنسان من الدنيا القليل، ولكن هذا القليل بالإيمان يغدو كثيرا، ونتاج هذا يصبح الإنسان منعما بالرضا والقناعة، وتبعد نفسه عن القنوط والسخط، فينال سعادة الدارين، ويفوز بالأجرين، أجر الله في الآخرة، وأجر الله في الدنيا المتمثل في الراحة النفسية الناجمة عن اتباع الشرائع، والبركة التي يعطيها الله للإنسان حين تنفيذ أوامره. مفهوم الزواج في الإسلام
ومن هذه الشرائع الحكيمة: شريعة الزواج، فلم يأمر الله عبدا من عباده أن يعزف عن الزواج، أو أخبره أن البعد عن الزواج فيه قربة من الله، وذلك من رحمة الله بعباده، فإنه قد زرع فيهم غريزة، ولابد من إشباع تلك الغريزة، وهي حب التآلف مع الجنس الآخر، وحب تكوين الأسرة، والميل لكل ما ينتج عن ارتباط رجل بامرأة، فأخذ الإسلام كل تلك الأسس في الحسبان، وعلى هذا أقام تشريعاته، فيذكر الله أن بناء الزواج يتمثل في المودة، والرحمة، والسكن، فكانت هذه أعمدة الزواج القوية، التي تقيم من الانهدام.
ووضع الإسلام مكانة للأمور المادية فلم ينسها، فشرط شرطا على الزوج أن يكون قادرا على الإعالة، وأن يكون متأكدا من ألا يظلم امرأته، وشرط على المرأة حسن التبعل، وحسن الأخلاق الذي يمكنها من تنشئة جيلا مسلما قويما.
ولكن رغم شروط الإسلام المادية، فلم يجعل لتلك الشروط أغلالا تعوق الزواج، فأمر عز وجل أن ينفق كل ذي سعة من سعته، ومن هذا نرى رحمة الإسلام وعقلانيته في تشريع مفهوم الزواج، فالزواج في الإسلام هو منظومة متكاملة، إخراج جيلا جديدا يحب الله ورسوله، ويدافع عن دين الله ورسوله، وليس مجرد شراكة كشراكة العمل ، بل أسمى من ذلك بكثير.
2- كيف كان يتعامل النبي مع زوجاته؟
نبينا محمد أفضل خلق الله كلهم، الذي اختير خاتم النبيين بعدما فتش الله بقلوب عباده، فلم يجد أفضل من قلب النبي الكريم، فأمر عباده أن يأخذوا ما أتاهم رسوله، ويحذروا ما نهاهم عنه الكريم ابن الكريم، هذا النبي رفيع الخلق، شديد الحياء، شديد الزهد عظيم النفس، وجب علينا الاقتداء به في كل أمر في حياتنا، ومن تلك الأمور: تعامله صل الله عليه وسلم من زوجاته الكريمات، فكان حنونا، مربيا، معلما، متسامحا، لا يغضب عليهن، لا يضربهن ولا يقسو عليهن و النبي صلى الله عليه وسلم مثالا يحتذى به في معاشرته لزوجاته، وفيم يلي نستعرض مواقف له مع زوجاته الكريمات، نأخذ من تلك المواقف عبر وعظات، ننتفع بها في حياتنا، وآخرتنا. مفهوم الزواج في الإسلام
كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت
عندما نتأمل هذا الحديث، نجد أن فيه من الخلق، وحسن المعاملة، ومراعاة الأحوال ما يحتاج كتبا كي تحوي ذكره!
فانظر إلى أشد الناس كرما وعطفا وإيمانا، ماذا فعل عندما كسرت زوجه إناء الطعام غَيرةً على النبي صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه؟
ماذا فعل؟ أنهرها؟ أوبخها؟ أقال لها ماذا تعتقدين أنك فاعلة مع نبي هذه الأمة؟
لا ليس كل هذا، ما كان من النبي الأمي الحيي إلا أن قدر مشاعر زوجه، وأعطى عذرا للطبيعة المجبولة عليها النساء، والتي من صميم طباعه مهما بلغت درجة إيمانهن، وقدر مشاعر زوجه صغيرة السن التي تحبه حبا كبيرا، ما كان من أحسن خلق الله كلهم إلا أن يقول لها أن تأتي بصحن عوضا عن الذي كسرته، وأن يقول:”غارت أمكم” -ويذكر أنها أم المؤمنين عائشة”
لم يصف فعلتها بقلة العقل، بل وصفها على النحو الصحيح وهو: الغيرة. نعم، فكيف لا تغار زوج أفضل الخلق كلهم على زوجها؟
بضع كلمات، اختزل فيها النبي معنى الرحمة، والحب، والشفقة، والحنان، ومراعاة الحال، بضع كلمات تعلم الناس أساس العشرة الحسنة، ومعاملة الزوج لزوجه، التي بها يظفر بقلبها، والتي بها يقوم البيت، وتحلو الحياة الزوجية.
بضع كلمات من نبينا الكريم، كانت كفيلة بغرس أحسن القيم فينا، التي تصلح بها دنيانا، وتنال بها رضا ربنا. مفهوم الزواج في الإسلام
3- أثر حسن العشرة بين الزوجين مجتمعيا
من المعلوم أن الأسرة هي اساس المجتمع، فإذا صلح حالها صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله؛ وذلك لأن الأسرة هي التي تخرج الأجيال، فإذا فسدت الأسرة فسدت الأجيال، فتجد أنه غالبا ما يكون الأولاد الذين تربوا بأسرة تقية سوية، يكونون بصحة نفسية جيدة، ويكونون أناسا صالحين.
والأسرة المسلمة لا تكون صالحة بمجرد أن تعامل بعضها بود، أو أن يكونوا ذوي خلق حميد فقط، إنما الأسرة المسلمة هي التي تضع الله ورسوله فوق كل أحد، وتربي أولادها على خلق النبي، وثقتي بأفعال النبي في كل شيء في حياتها.
فإذا تحققت شروط الأسرة المسلمة في كل الأسر: يصلح المجتمع، ويندر الفجور والفسق، وتحل البركة على الناس، وينتشر الخلق الحميد، وتتغير المعايير المشوهة التي سادت المجتمعات، إلى معايير قويمة، ينصلح بها الحال، فهكذا وعد الله من يقول لأمره: سمعا وطاعة، البركة في المحيا والثواب بعد الموت.
4- المصادر
- القرأن الكريم
- فتح الباري في شرح صحيح البخاري
بقلم : تقي فخر الدين
إترك تعليق