1.    مفهوم التربية الصالحة

تعد التربية الصالحة بمثابة مجموعة القيم والمبادئ، التي يشب الفرد على أساسها، في ضوء التعاليم القويمة للدين الإسلامي الحنيف، فالتربية الصالحة نبراس يضيء طريق العباد، ويضمن إليهم حياة كريمة، ويهديهم إلى الطريق المستقيم، لأن التربية في أساسها مبنية على الأخلاق الفاضلة، واتباع النهج السليم، بما يضمن للإنسان أن يسعد بحياته، ويستمتع بها، في إطار يرضي الله ورسوله، كما يضمن أيضًا رضا الله عن الفرد في الدنيا، وفي الآخرة.

يقول رب العزة – سبحانه وتعالى – في الآية الرابعة والسبعين من سورة الفرقان: ” وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا “.

وتجدر الإشارة إلى أن التربية الصالحة لا تجنى ثمارها في الدنيا فحسب، أو تقتصر فعاليتها على الفرد وحده، وإنما للآباء جزاء كبير عن رب العباد – جل وعلا – على تنشئة أبنائهم الصالحة، في الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا يجني المجتمع بأسره ثمار صلاح تربية الأبناء، الذين ينفعون أنفسهم وأهليهم، ويرفعون مراتبهم، أما في الآخرة، فنعم الجزاء! إذا كانت النية خالصةً لله – سبحانه وتعالى -.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ، ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، ومسئولٌ عن أهله، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها، ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده، ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته “.

رواه: عبد الله بن عمر، المصدر: صحيح بن حبان، المحدث: ابن حبان.

2.    معايير التربية الصالحة في المجتمع

للتربية الصالحة معايير، وأهداف سامية، وحتى تتحقق الأهداف المرجوة من وراء التربية النافعة في المجتمع، فلا بد من وضع عدة معايير في الحسبان، ويتضح ذلك بالتفصيل فيما يلي من سطور:

  • الأبوان هما عمود البيت، فإن صلحا صلح أبناؤهم بالضرورة، ومن هنا لا بد من حسن اختيار الزوج لزوجه، والزوجة إلى زوجها، حتى يتمكنان سويًا من ترسيخ دعائم الشريعة الإسلامية في تربيتهم إلى أبنائهم، والدعاء إليهم بالهداية، فيترعرع جيل سوي، يضع تعاليم دينه الحنيف نصب أعينه، في كل تصرف يهم بفعله، أو قول يبادر بالتلفظ به.

يقول أبو العلاء المعري:

” وينشأ ناشئ الفتان منا … على ما كان عوده أبوه “.

  • توجيه الأبناء منذ نعومة أظافرهم إلى ما يرضي الله ورسوله، بأسلوب ترغيبي، لا ترهيبي، فالحكمة في إكساب الأبناء السلوكيات الحميدة، والقيم الجليلة، مع إقناعه التام بفعل ذلك؛ لأنه الأصلح إليه، والحذر كل الحذر من تخويف الأطفال، وتعنيفهم لفعل شيء غير مقتنعين به، أو يأبون التصرف وفقه، حتى وإن كان في صالحهم، لأن هذا التصرف يكسبهم البغض بالضرورة، ويجعلهم يفعلون ما يأمر به أبواهم أمامهم فقط، وتراهم يتغافلون عنه في حين غيابهم، ومن هنا وجب الحرص على ترغيب الأبناء في تطبيق دعائم صلاحهم دينيًا ودنيويًا، فديننا جميل، بسيط، يقوم على اليسر، لا العسر.
  • مراعاة التوجيهات التي تتناسب مع الفئة العمرية للأبناء، فلكل عمر طريقة في التعلم، وأسلوب في الإقناع، وبالتالي تفاوت في سرعة الحصول على نتيجة التربية.
  • التدرج في التربية، فلا يمكن إكساب الأبناء كل شيء صالح دفعة واحدة، وإنما ينبغي التدرج في تعليم الفضائل، حسب ما يتناسب مع كل فئة عمرية، بالإضافة إلى مراعاة البدء بالتوجيهات اليسيرة، والارتفاع بسلوكيات الطفل شيئًا فشيئًا، فصلاح الفرد يبنى على أساس راسخ من التعاليم الدينية، وكيفية الاستمتاع بمظاهر الحياة دون ارتكاب ما يغضب الله – عز وجل – أو ينافي العرف المتبع في البيئة المحيطة بالفرد.
  • ثمة أسس لا يمكن التغافل عنها، أو التهاون فيها، مثل الفروض الأساسية، كالصلاة على سبيل المثال، فيتم تعويد الطفل على تأديتها شيئًا فشيئًا، حتى يتقنها تمامًا، وتصبح أساسًا ملازمًا له.
  • تعويد الأبناء على الثقة في أنفسهم، والتعبير عن آرائهم في نطاق الأدب، والأخلاق، وتعاليم الدين الإسلامي.
  • الصحبة الصالحة تحفز الفرد على صلاح الفرد، وهدايته، وتبني الأخلاق الفاضلة في كل قولٍ وفعل، وبالتالي يتحقق صلاح المجتمع بصلاح أفراده، وتمسكهم بالقيم الفاضلة.
  • يجب البعد في تربية الأبناء عن الإهانة والتحقير، سواء أمام الآخرين، أو حتى من دون وجود أحد إلا هو، فثمة أساليب جمة في التربية، تساعد على الوصول بالفرد إلى أرفع منازل الرقي الأخلاقي، غير التجريح اللفظي أو الفعلي.
  • الحرص على قطع حبال البعد والخوف، بين الأبناء والآباء، له أسمى دور في تحقيق الأهداف المنشودة، والخروج بجيل معافى عقليًا، وأخلاقيًا، ودينيًا، وفكريًا، واجتماعيًا.
  • حسن التصرف حين الخطأ، والتفريق بين اقتراف الخطأ لأول مرة، وتكرار اقترافه، فلا عيب من الوقوع في الخطأ بحد ذاته، وإنما العيب يكمن في تكرار الخطأ نفسه، دون التعلم منه، وجعله نقطة تحول إلى الأفضل.
  • الاعتدال أساس تكوين أبناء أسوياء، فالإفراط في التدليل خطأ فادح، ينعكس سلبًا على علاقة الأبوين بأبنائهما، وأضراره تفوق نفعه بمراحل، والشيء ذاته في الجدية التي تفوق الحد، والتشدد في التربية، ومن هنا وجب التفريق بين أوقات التدليل، والأفعال التي تستدعي وقفة حازمة، من دون تهاون.
  • عدم تعويد الأطفال على التكبر، سواء أكان بين أخواتهم، أصدقائهم، أقاربهم، والأهم عدم التكبر في مساعدة الأم أو الأب في شتى مسئولياتهم، فمسئولية إدارة شئون البيت تقع على كاهل الجميع، فهي مسئولية جماعية.
  • العدل والمساواة من أهم دعائم التربية الفاضلة.
  • ضرورة الفصل في المضاجع بين كل من الذكور والإناث من الأبناء.
  • تعليم الأبناء أركان الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومراعاة تطبيقهم بمثالية، والتفنن في تأدية كل منهم على الوجه الأكمل.
  • مراقبة رب العباد في كل وقت وحين، فهو يعلم الظاهر والباطن، ولا تخفى عليه خافية.
  • تربية الأبناء على التفكر في صنع الله – سبحانه وتعالى -، والتحلي بذكره – جل علاه – في كل وقت.
  • الترغيب في فعل الصالحات، وحب الخير للجميع، والترهيب من اقتراف الآثام، صغيرها، وكبيرها.
  • مراعاة تربية الطفل وفق منهجية منظمة ومتكاملة، حيث التكامل الديني والدنيوي، من خلال حفظ القرآن المجيد، والأحاديث النبوية الشريفة، والاطلاع على التفاسير، وغيرها الكثير، والتقرب إلى الله بفعل الخير، والصدقات، بالإضافة إلى عدم تغافل طفرة التكنولوجيا الهائلة التي يشهدها العالم، والتي ينبغي اللحاق بها، ومواكبتها، دون الإفراط في السلوكيات القويمة للفرد.
  • الحرص على بر الوالدين، وطاعتهما فيما يرضي الله ورسوله.

3.    دور التربية الصالحة على الفرد والمجتمع

يقول رب العباد – جلَّ علاه – في الآية الثامنة والخمسين، من سورة الأعراف: ” وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُون “.

التربية القويمة لا يقتصر أثرها على الفرد وحده، وإنما يعود تأثيرها الإيجابي على المجتمع كافةً، فتخيل مجتمع يحمل بين طياته نشء حريص على كل سلوك إيجابي، يقربه من ربه، ويبتعد عن كل ما يسبب الضرر والإيذاء، إليه وإلى مجتمعه، ترى ما الشاكلة التي سيكون عليها هذا المجتمع؟ بالطبع سيكون مجتمعًا راقيًا، حافلًا بالقيم والأخلاق الفاضلة، فالمتوقع أن يعلو إلى منازل العلو، والشرف، ويبتعد بالطبع عن الانحطاط، مما يجعله أكثر قدرة على الابتكار، لأن أبناءه يطمحون إلى الارتقاء بأنفسهم ومن يحيطون بهم.

4. المرأة المسلمة ودورها الفعال في تربية نشء صالح

الحق أن المرأة الصالحة هي أساس النشء الصالح، فهي المربية الفاضلة، والمؤثر الأكبر في حياة أبنائها؛ نظرًا لانخراط زوجها في مشاق الحياة، وكده من أجل توفير حياة كريمة لأسرته التي يعولها، ولا يعني ذلك اقتصار دور الأب على الجانب المادي فقط، وإنما له دور فعال في توجيه أبنائه، ولكن بالمقارنة بين الوقت الذي يقضيه الأبناء مع الأب والأم، نجد أنهم يقضون وقتًا أطول مع الأم، التي تعد الموجه الأساسي إليهم، كما أنها نبع الحنان، ومن هنا يمكنها التأثير على صغارها، فيما يحقق نفع المجتمع بأسره.

وهكذا فالتربية السليمة تطلب تكاتف جماعي، وإصرار، وعزيمة، من أجل النهوض بالمجتمعات إلى أسمى المراتب، فلا بد أن نعير التربية كثيرًا من الاهتمام؛ لأنها مناط وصول الإنسان إلى ما يطمح إليه.

5. المصادر

بقلم: إيناس خالد