تقديس الإسلام  لمفهوم الأسرة.. ومهدمات الأسرة الحياتية

منذ عقود قريبة، انتشرت الحركات التي في بادئ أمرها ظهرت للدفاع عن المرأة، ولكن تدريجيًّا تحول الأمر إلى مهدمات الأسرة ، والتقليل من شأنها، والتقليل من كل امرأة تريد عيش حياةٍ هادئة، حياة مكوناتها الأساسية البيت، والزوج، والأولاد، وبناء المجتمع من خلال بناء الأبناء الأسوياء، وهذا شكلٌ من أشكال الانتكاس الفطري الذي نعيشه، فأصبحت مجتمعاتٌ كثيرة من المجتمعات الغربية، تعتبر مفهوم الأسرة، والعائلة مفهومًا اجتماعيًّا بحتًا، كسائر المفاهيم الاجتماعية، غير الضرورية، التي بوسعنا التخلي عنها، دون حدوث أضرارٍ، ومن فترة ليست بالبعيدة، اقتحمت تلك المفاهيم الغربية، منتكسة الفطرة مجتمعاتنا المسلمة، وأصبحت نوعًا من أنواع التحضر، فيزعم  مروجو تلك المفاهيم في مجتمعاتنا، أن المجتمع الغربي هو الذي يجب الاقتداء به في كل شيءٍ، ولأن المجتمعات المسلمة شهدت مؤخرًا اضمحلالًا صناعيًّا، وعلميًّا، فيكون هذا مبررًا للانهزام، والانسحاق، واللهث وراء المجتمعات الغربية، في الجيد، والسيئ.

وقد أعطى الإسلام تقديسًا خاصًّا لمفهوم الأسرة، فلم يعتبرها مفهومًا تقليديًّا توارثته الحضارات، لأجل البقاء، حيث أن البقاء لا يعتمد بالكلية على مفهوم الأسرة الإسلامي، الذي يقوم على الرعاية، والحنان والإعالة، والمفاهيم المرتبطة بالأسرة؛ فالتكاثر هو وسيلة البقاء، والتكاثر لا يستلزم وجود الحنان، والإعالة، وكل تلك المفاهيم السامية.

فتقديس الإسلام للأسرة ينبع من اعتبارها عمود للمجتمع، الذي ما إن انهدم، انهدم المجتمع كله، ومضغته التي ما إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، ومن هنا ينبع تقديس الإسلام للأسرة، وجعل بناء الأسرة يعتمد على المودة، والرحمة بين الزوجين، ويكون هذا تمهيدًا لوجود الأولاد، وتكوين الأسرة المسلمة، فالمودة والرحمة بين الزوجين تنعكس على الأولاد؛ فعندما يرى الأولاد الود، والتراحم في آباءهم، تعتاد أنفسهم على التعامل السوي، ولا يكون فيهم صفةٌ، لطالما كانت قرينةً من نشأ بأسرةٍ سمتها العصبية، والعنف، ألا وهي: انفلات الأعصاب المبالغ فيه، المؤدي إلى التعسر في معاملة الناس، والكثير من المشاكل التي فسرها علماء علم النفس.

ولنا أسوةٌ في نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم –  حين أرانا كيف نتعامل مع الأولاد، وأوضح لنا كيف أن الرحمة مع الأولاد ضروريةٌ، وليست من الرفاهيات، كما أوضح لنا أن تربية الولد بحيث يصبح رجلًا، لا تستلزم القسوة، والغلظة في التعامل، بل الرحمة، والرفق، هما عمودان أساسيان في التربية السليمة.

قبَّل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحسنَ بنَ عليٍّ، وعِندَه الأقرَعُ بنُ حابسٍ التميميُّ جالسًا، فقال الأقرَعُ: إن لي عشَرةً من الولَدِ ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظَر إليه رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – ثم قال: ( مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ ).

 

 

ماذا لو اعتبرنا الأسرة منظمة كسائر المنظمات؟

تسعى الكثير من المنظمات الغربية إلى نزع قدسية العائلة، وتجريدها من أي صلاحيات تجعلها سلطةً مستقلة بذاتها، قد يفهم البعض أن مسعاهم هو نزع السلطة منها للحد من العنف الأسري، والتصدي له، ولكن الأمر ليس كذلك، فإلغاء صلاحيات الأسرة، والسلطة الأبوية، لها تبعاتٌ كثيرة، تتمثل في مهدمات الأسرة ، حيث بدأت هذه النداءات؛ سعيًا  للحد من العنف الأسري، لكي لا يكون الأمر غريبًا على مسامع الناس، ولكن مع الوقت تحول الأمر إلى نزع كل سلطة تقيد الحريات الشاذة، وغير المقبولة عرفيًّا، وأخلاقيًّا، ودينيًّا.

وذلك التحول المذموم نتج عن عدم اتباع تشريعات إلهية، أو عدم الاطلاع عليها من الأساس، بما أن هذه النداءات بدأت في بلاد غير مسلمة، فأي تنظيمات لا تسري وفق تعاليم الإله الواحد الحكيم، وتسري وفق الهوى، والأمزجة، فحتى وإن كان غرضها نبيلًا، فإنها في آخر الأمر تتحول إلى شيءٍ ممسوخ، لا مبادئ تسير عليه، بل وفق هوى الإنسان فقط، وهوى الإنسان لا يؤدى به سوى إلى الهاوية.

فحل مشكلة العنف الأسري، لا يستلزم نزع السلطة الأبوية بالكلية، وهدم العائلة..

نعم فحكمة الإسلام تقتضي أن تُراعى كل الأحوال، بأقل خسائر ممكنة، ولكن نزع السلطة الأبوية كما تردد النداءات الغربية، يؤدي إلى التدمير، والتشرد.

قيود الأسرة.. نعمة أم نقمة؟

قيود الأسرة: تلك التي يسأم منها الكثير من الأبناء؛ فلماذا يجب عليهم التقيد بقيود الأسرة؟ وسماع نصائحهم وآراءهم؟

لماذا يجب عليهم اعتناق دين الإسلام فقط لأن أسرته تعتنقه؟ لماذا يجب عليهم التقيد ببعض الأعراف بحدود معينة لتلك الأعراف؟ ولماذا لا يستطيعون الاستقلال عند سنٍّ معينة، كما يفعل الغرب، وفقط يتركون المنزل، ويعيشون كأناسٍ متحضرين كالغرب!

الكثير من الأسئلة التي تدور بعقل الأجيال المتعرضة للفكر الغربي، فيرددون تلك الأسئلة، بلا فهمٍ للواقع، وبلا خلفية، ولو بسيطة، عن دينهم، دين الإسلام، وينظرون لإيجابيات الثقافات الغربية، دون رؤية سلبياتها، ودون وزن تلك الأفكار في ميزان الإسلام، فيسبب ذلك الشقاق الكبير بين الأبناء، والأسرة، ويحل النزاع، والخلاف المستمران مكان الحب، والتفاهم، وتتفكك الأسرة، ودعنا لا نلقي بكل اللوم على الأبناء، فهناك بعض اللوم يُلقى على الآباء أيضًا؛ حيث أن في كل زمنٍ، وهذا الزمن خصيصًا، يجب على الآباء فهم عقلية أبنائهم، ومراعاة الفارق الزمني بين الأجيال، ومراعاة العالم المنفتح الذي أصبحنا نعيش فيه، فعالمنا أصبح منفتحًا على كل الثقافات، وبنقرة زرٍّ يمكن لأي شخص أن يطّلع على عادات غيره من البلاد، وعلى كل خبيث يمكن أن يطلع عليه أحد.

والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في الانفتاح بحد ذاته، فالانفتاح، والتعرض لكل الثقافات الخبيث منها، والطيب محتمٌ في زماننا، ولكن المشكلة في عدم كفاية الأبناء من العلم الشرعي، الذي به يقوى إيمانهم، وتحصن أفئدتهم من التأثر بثقافاتٍ مخالفة للفطرة السليمة، والدين القويم، ومن ثم تتالى مهدمات الأسرة.

ولذلك يجب تجديد مفهوم قيود الأسرة؛ لتوصيله لعقول الأبناء على نحوٍ صحيح، فقيود الأسرة ليست بالسجن، ولا شبيهة به، وليست موجودة لطمس شخصية الأبناء المستقلة، بل هي للتربية، وغرس مفاهيم الانضباط، دون المساس بشخصية الابن المستقلة، ودون الحاجة إلى العنف، أو الترهيب، بل دور الأسرة هو التقويم.

وأسرنا العربية تختلف كل الاختلاف عن الأسر الغربية، فأسرنا تتسم بالتماسك، فلا يغادر الابن أسرته إلا لظروف تجبره على ذلك، أو عند الزواج، وليست المغادرة لمجرد الاستقلال المعيشي.

وهذا مما ينبغي للآباء تفهيمه للأبناء، فليس معنى أن البلاد الغربية تتقدم على بلادنا، أن نقلد تلك البلاد في كل شيء، وأن ننزع من هويتنا، وديننا، فمن السيئ التخلي عن معتقداتنا، وأعرافنا، في سبيل الشعور بالانهزامية، ومن ذلك نعلم، ونُعلم الأبناء أن قيود الأسرة نعمة ما دامت في إطارها الإسلامي، بلا إفراط، ولا تفريط.

المصادر

صحيح البخاري