1- الخطبة في  شريعة الإسلام

إن الله سبحانه وتعالى أرحم  بعباده من أنفسهم، ولأنه يعلم عيوبنا وضعفنا ، شرع لنا الأحكام التي تحد من اتباع  الهوى، وتنظم حياتنا بشكل يجعلها على أكمل وجه، ومن هذه الشرائع الرحيمة: الخطبة.

الخطبة تتيح للخاطب ومخطوبته التأكد ما إذا كانا مناسبين لبعضهما البعض.

ولنعلم أن حديث الرجل مع المرأة له شروط  وضوابط ، حتى في فترة الخطبة  ولكن  الله الرحيم شرع الخطبة وشرع التعارف في جو أسري وفي وجود  المحارم   ليحدث التهيئة للزواج السعيد و الناجح، ودليل مشروعية الخطبة من الكتاب في سورة البقرة، الآية 235حيث يقول الله عز وجل”ولا جناح عليكم فيما عرضتم من خطبة النساء”.

ولكن كما كان الله سبحانه وتعالى  مراعياً لأحوال عباده، فقد وضع لنا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم  الضوابط الشرعية للخطبة، والتي  تستقيم بها تلك الفترة، وتكون بلا دواع للفتنة.

2- مفاهيم خاطئة عن الخطبة.

الخطبة هي وعد بالزواج ليس أكثر ويظل الخطيبين أجنبيين عن بعضهما البعض ولا يجوز  أن يحدث بينهما  أي تجاوزات  سواء في الحديث أو المعاملات

وقد نجد  في زماننا من التجاوزات ما يصل بالخطيبين  أن يكون ما

يحدث بينهما كما يحدث بين  الزوجين-خلا الجماع-  لأنهما فقط سيصبحان زوجان في المستقبل!

فنرى  اليوم الكثير من التجاوزات التي تحدث بين المخطوبَين، ويعتبر الأهل هذه التجاوزات طبيعية ، وحتى لا تجدهم ينكرون على أبنائهم، وهذا من عظيم الذنوب، فالخطبة وعد بالزواج، وليس زواجا، فلا يجوز معاملة الخطيبة كالزوجة، ولكن نتبع نهج رسولنا الكريم، ونسمع حديثه ونصائحه، ونسمع تفسير أئمتنا لكلامه صلى الله عليه وسلم، فإن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخاطب يجوز له رؤية وجه مخطوبته فقط ، ولذلك إن ما نراه من تجاوز المخطوبين في سماح المخطوبة لخطيبها رؤية شعرها، ورؤية أي جزء من الجسد عدا الوجه هو ليس من الإسلام في شيء، وأيضا استباحة الكلام والضحك والهزل بشكل مبالغ فيه ليس من الشرع في شيء، والجلوس  بمفرهما مع عدم وجود المحرم كل هذه التجاوزات  يجب التحرز منها فما أحسن أن نتبع هدي نبينا صلى الله عليه وسلم  وأئمتنا ونتقي الحرام!

3- الحكمة الدنيوية من آداب الخطبة الإسلامية

قد عرفنا الحكمة الأخروية المرتبطة بطاعة الله وطاعة نبيه، ولكن ماذا عن الحكمة المتعلقة بالدنيا؟ ماذا عن الفوائد التي نحصل عليها من اتباع آداب الخطبة الإسلامية؟

عندما تُطبق آداب الخطبة، تُحفظ المسافات بين المخطوبَين، وفي حالة عدم إتمام الزواج لن يكون هناك حرجًا، ولا خجلًا، فلم يحدث أي تجاوزات، ولم تحدث أي    علاقة محرمة  فيخجل أي من الطرفين منها.

وحتى إن تم الزواج، فآداب الخطبة تحفظ للزواج بهائه، فبالزواج يحل كل شيء بين الزوج والزوجة، يحل الدعابة والكلام بلا حدود ،

، وعندما يتزوج من هو ملتزم بآداب الخطبة يكون زواجه مباركا، يحل عليه البركات من الله بما أطاع ربه.

4- حق الخاطب على مخطوبته والعكس

في الواقع ليس هناك حقوق واجبة للخاطب على خطيبته بالعكس، فقد يتوهم بعض الرجال أنه بخِطبته لفتاة، فإنه يحق له طاعتها له كطاعة الزوجة لزوجها، ولكن في الحقيقة أن الخاطب هو مجرد واعد بالزواج، ولا نستطيع أن نذكر أن هناك حقوق للخاطب على مخطوبته إلا أنها لا يحل لها أن تُخطب من آخر وخطوبتها الأولى معقودة، وله عليها حق الأدب وحسن المعاملة بالطبع.

وعلى الجانب الآخر، تتوهم بعض الفتيات أنه بمجرد خطبتها من رجل، فيتوجب عليه أن يعيلها ماليا كأي رجل يعيل امرأته، وهذا ليس من الإسلام في شيء، ولم يرد به شرع ولا قول، فلا يجب على الخاطب أي مصروفات تحتاجها خطيبته، ولا يكون فرضا عليه أن يعطيها الهدايا باستمرار، فالهدية إن لم تجيء عفو الخاطر، وتعبيرا عن المودة فلا معنى لها.

ومن الخطأ وفهم الأمور على عكس حقيقتها: أن تظن المخطوبة أو الخاطب وجود حقوق على الآخر أكثر مما ذكر، وهذه من الحقائق الواجب فهمها لتتيسر العلاقات، وتَحسُن الظنون، وتصفو النفس عن أي شيء بها تجاه الخاطب/المخطوبة.

5- آثار التخلي عن آداب الخطبة

رغم تشريع الدين الإسلامي آدابا للخطبة، تحفظ الرجل والمرأة من الوقوع في الفتنة والفواحش، فيظل جزءا كبيرا من شباب المسلمين لا يعتد بآداب الخطبة،  ويظل يعامل خطيبته كزوجه، ويجزم أنهما لن يقعا في الحرام وهما واقعين كل الوقوع به!

فإننا نرى على مواقع التواصل الاجتماعي شباب وبنات المسلمين ينشرون تجاوزهم لحدود الخطبة، بل ويفتخرون به، ومن ثم يدّعون احترام حدود الله، وهم لا يعلمون أنهم بتجاوزاتهم يكسرون كل حدود الله، ولكن لا حسرة على شباب وبنات يظنون أن الحرام كله يتلخص في الزنا؛ وليتهم لا يفعلون الزنا خوفا من الله، ولكنهم رُوّضوا على استبشاع ما يستبشعه المجتمع، واستحسان ما يستحسنه  المجتمع دون النظر إلى شرع ربهم، وسنة نبيهم!

وهذه الأفعال من آفات الزمان، ومن مسببات غضب الله، فلنفكر في حال من يخشى الناس دون أن يخشى الله ونتأمل، ونتخيل حجم الكارثة.

ومن فتن ترك آداب الخطبة الإسلامية: أن ترى الرجل مع المرأة فلا تعلم أهم زوجان أم مخطوبان!

نعم هذه الفتنة، عندما لا تميز بين المخطوبان والزوجان فهذه فتنة كبرى، انظر إلى شروط صحة النكاح وستجد أن من شروطه الأساسية: الإشهار، وهذا يعني أن ظهور الرجل والمرأة سويا كزوجين فيه درء للفتنة كبير، فعندما ينظر أحد لرجل وامرأة وفي حالهما يظهر أنهما متزوجان، فهذا أصبح من  الفتنة، أما إذا ظهر المخطوبان في مظهر الزوجان فإذا عُرف عنهما أنهما ليس بزوجان، وقعت الفتنة، وأعتقد الناس على رؤية غير المتزوجين في هيئة الأزواج.

وما أعظمها من كارثة تهدد الكيان الإسلامي وتشعل الفتنة به!

وأيضا من فتن ترك آداب الخطبة الإسلامية، أن يخطب الشاب أو تُخطَب الفتاة، وفي نيتهما ليس الزواج، بل في نيتهما الاستمتاع بعض الوقت، وإهدار بعض المشاعر المراد التنفيس عنها، فلو كان الشباب والبنات يطبقون آداب الخطبة الإسلامية، لإنعدمت هذه الظاهرة، وظل الزواج أمرا لا هزل فيه، عزيزا، شرعا قد أقره الله لبناء الأسرة المسلمة السوية، وليس لمجرد الهزل لبعض الوقت.

الحاصل أن: البعد عن آداب الخطبة الإسلامية فيه فساد كبير، وأن تنفيذ أمر الله ولو كان به مشقة على النفس ففيه من الخير عظيم.

6- المصادر

موقع الإسلام سؤال وجواب

الفقه الإسلامي

بقلم : تقى فخر الدين