1- المقدمة:

الطلاق وحكمه وأسبابه في الإسلام

أَحلَ الله عز وجل الزواج وذلك من أجل تحقيق الشعور بالمودة والرحمة والسكينة لكلاً من الزوج والزوجة، حيث يعتبر الزواج هو الوسيلة الوحيدة المشروعة لتحقيق الرغبة والميل للجنس الآخر بما لا يضر ذلك بمصلحة وحياة الفرد والمجتمع، لأن الزواج يحافظ على النسل البشري ويحفظ الأنساب بين الناس، وبهذا ينتظم المجتمع ويكون متماسكا وقويا، إضافة إلى أنه يحمي الإنسان من الوقوع في الفواحش وارتكاب الرذائل، وقد شرع الله الزواج لغاية عظيمة وهي بناء البيت المسلم القوي القائم على طاعته سبحانه والنافع لوطنه وأمته الإسلامية، في المقابل فقد شرع الله عز وجل أيضاً الطلاق في حال وصلت جميع الحلول بين الزوجين لطريق مسدود ولا يوجد حل آخر ولكن ذلك يتم بشروط معينة حتى يقع هذا الطلاق، ومن هذه الشروط:

أن يكون الطلاق صادر عن الزوج نفسه، فلا يقبل الطلاق من غير الزوج باتفاق الفقهاء، وأن يكون الشخص القائم بالطلاق مكلف وبالغ وعاقل، فقد قال جمهور العلماء بعدم وقوع الطلاق من الصبي، سواءً أكان مميزاً أم لا استدلا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام:(رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النَّائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم قال صدقتَ قال فخلَّى عنها)، واستدلّ على ذلك العلماء بأنّ الطلاق من القرارات التي تحتاج إلى عقل وإدراك كاملين لاتخاذها.

ولا يقبل طلاق المجنون أو الفاقد لعقله سواء بشكل جزئي أو بالكامل، ولا يقبل كذلك في حالة الغضب الشديد الذي لا يميز صاحبه ما يقول ولا يعيه مطلقا، ومن لا يقبل منه الطلاق الشخص المغمى عليه والفاقد للوعي بالكامل، وهو ما عرف شرعاً ب(الإغلاق)، أي يمنع من الإدراك والفهم، لحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا طلاق ولا عتق في إغلاق) حسنه الالباني، وأن يكون الطلاق باختيار الزوج أي ألا يكون مكرهاً على الطلاق بأي شكل كان وذلك باتفاق جمهور الفقهاء.

2- حكم طلب الطلاق من غير سبب؟!

إذا تزوجت المرأة يجب عليها أن تعلم جيداً أن الزواج ميثاق غليظ يوجب عليها أن تحسن التعامل مع الزوج وذلك بأن تتقي الله عز وجل فيه، ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماتت وزوجها راض عنها أدخلها الله الجنة، وكذلك الزوج يجب عليه أن يتق الله في زوجته، ويعطيها حقوقها كاملة، ومن هذه الحقوق، أن يكون حارسا لها يحميها من كل مكروه ويكف عنها الأذى الذي يمكن أن يقع لها، وأن يتق الله في معاملتها ويعاملها معاملة حسنة ويقوم  بتوفير الحياة الكريمة لها ولأولادها وهي بالمقابل توفر له الجو الآمن، فقد قال الله عز وجل ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم “، فالزواج في الإسلام مقدس وميثاق غليظ لكلا الزوجين، وكل منهما عليه حقوق وواجبات تجاه الآخر.

والأصل في العلاقات الزوجية، أن تقوم على المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن في حال تعرض الزوجة إلى العنف والأذى الجسدي أو اللفظي أو الاثنان معا، وقامت برفع دعوى الطلاق بسبب ذلك فهو جائز في الإسلام، ما دام أن الحياة الزوجية قد وصلت إلى مرحلة الاستحالة، ويجوز طلب الطلاق وذلك استنادا على قول الإمام البخاري:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أَن امرأة ‏ثابت بن قيس أتت النبي‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أَكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏أَتردين عليه حديقته؟، قالت نعم، قال رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم أقبل الْحديقة وطلقها تطليقة ‏”.

3- حكم طلب المرأة الطلاق من باب تهديد زوجها؟

طلب الزوجة الطلاق من زوجها هي مسألة نسبية تختلف باختلاف الحالة، فلا نستطيع أن نعمم بحصول الإثم.

ونستشهد به من خلال الآية ١٢٨ من سورة النساء، قال الله تعالى: ” وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) “.

أي أن المقصود من ذلك تقريب وجهات النظر بين الزوجين، حفاظًا على الأسرة من الانهيار والهدم، وحفاظا على الذرية والأبناء من الانفصال والمشاكل النفسية التي تأتي تباعًا بسبب الطلاق، ولكن في حالة أنه لا يوجد مكان للحب بين الزوجين، ووصلت مرحلة الزواج إلى مرحلة الشقاق وكان لابد من الطلاق، فيكون هناك حكمين فقط وأحدهما من أهل الزوجة والآخر من أهل الزوج أو ممن يرضيانه، ولكن لا يشترط أن يكون الحكمين من الأهل فقط، فإن أراد الزوجين إصلاحاً وكانت النية خير، يوفق الله بينهما أما إن استحالت العشرة وفشلت هذه المرحلة، ففي هذه الحالة يتم الطلاق ويكون هو الحل الوحيد خاصة عند استحالة العشرة بينهما.

وإذا كان الطلاق من غير سبب فهو يدخل في باب الظلمٌ والعدوان المحرم شرعا ولا يجوز القيام به، ويأتي في باب ازدراء النعمة وعدم صونها، وفيه هدمٌ للأسرة التي أحل الله الزواج من أجل بنائها، وفيه ضياع وتشتت للأبناء، وقد ذهب قانون الأحوال الشخصية إلى أن إيقاع الطلاق على الزوجة من باب الظلمٌ من غير عذر شرعي أو سبب مقنع ومبرر يُعد طلاقاً تعسُّفياً ظالما يحق للقاضي عدم قبوله، ويلزم الزوج الذي يطلق زوجته بتعويضها ماديا عن الضرر الذي لحق بها، وذلك زجراً للأزواج عن التعسّف والظلم في الطلاق.

4- ما هي أسباب الطلاق في الإسلام؟

الطلاق وحكمه وأسبابه في الإسلام

تتعدد أسباب الطلاق في الإسلام بسبب تنوع المجتمعات وتنوع أحوال الناس وسنقوم اليوم في هذا المقال بتوضيح أهم الأسباب المؤدية للطلاق:

  • انعدام الوئام والمحبة والألفة بين الزوجين أو أحدهما، وذلك بسبب عدم محبة أحد الزوجين للأخر أو الشعور بالبغض تجاه بعضهما البعض.
  • سوء الصفات الخلقية لأحد الزوجين، مما يفسد العشرة الزوجية بينهما، مثال على ذلك قيام الزوج بظلم زوجته وعدم إنصافه لها في الكثير من الأشياء، وهذا يعتبر سوء خلق بالنسبة للزوج تجاه زوجته، وأحياناً يكون هناك سوء خلق للزوجة تجاه زوجها مثل عدم السمع والطاعة لزوجها بالمعروف.
  • سوء الحال بين المرأة وأهل زوجها، أو بين الرجل وأهل زوجته، ولا يوجد مودة في المعاملة بينهم.
  • وقوع أحد الزوجين في المعاصي والمنكرات، كتعاطي المخدراتأو غيرها من المحرمات، مما ينعكس هذا الشيء على معاملة الزوج لزوجته ويعمل على جعل العلاقة الزوجية بين الزوجين سيئة وتتطور للطلاق فيما بعد.
  • عدم اهتمام المرأة بنظافتها وزينتها ولبس اللباس الجميل لزوجها واستقباله برائحة طيبة وكلام جميل، ومن المعروف أن الكلام السيء يسبب نفور الزوج من زوجته وبغضها تدريجيا مع الوقت.
  • تقصير أهل الزوجة في سؤالهم عن الزوج وعدم اهتمامهم به، أو إخفاء أهل الزوجة العيوب الموجودة بها عن الزوج سواء أكانت العيوب خلقية، أو جسدية.
  • عدم تكافئ الزوجين في المكانة الاجتماعية أو الدينية، مثلاً أن تكون المرأة متدينة والرجل غير متدين فيجبرها على لبس المحرمات وفعل الكبائر، أو تكون المرأة غير متدينة والرجل متدين فتكون المرأة متهاونة في لباسها وفي فعل المحرمات، أما بالنسبة للمكانة الاجتماعية كأن تكون الزوجة دكتورة جامعية او طبيبة وزوجها عامل نظافة مثلا، فإن ذلك الأمر يؤدي إلى جعل أحد الزوجين يتكبر على الأخر وينتقص من قيمته وهذا بالطبع يؤدي إلى النزاع والشقاق وبالتالي إلى الطلاق في نهاية الأمر.
  • عدم وجود المعرفة الكاملة لكلا الزوجين بالحقوق والواجبات على كل منهما تجاه الآخر بشكل واضح.
  • الغيرة المفرطة بين الزوجين أو على الأقل بين أحد منهما، يؤدي ذلك إلى الشك المستمر وبالتالي انعدام الثقة ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى الطلاق بشكل مؤكد.
  • استخدام الزوج الطلاق وكلمة الطلاق كأداة للتهديد، أو إجبار زوجته على القيام بعمل معين لا تحبه، أو قيامه بنهيها عن فعل أمر معين وتقوم المرأة بمخالفة الزوج بشكل متعمد فيحدث الطلاق بينهما نتيجة لذلك.

5- المصادر:

الطلاق وحكمه وأسبابه في الإسلام

بقلم : فاتن بشير